vendredi 19 septembre 2008

الشباب القروي بين حلم الهجرة السرية ورؤى المجتمع المدني



بقلم الباحت رشيد بداوي
rachidbeddaoui@yahoo.fr

إذا كانت الإمكانيات الإقتصادية لأي بلد شرطا قبليا لبلوغ أهداف التنمية البشرية ،فإن تعبئة المؤهلات البشرية ،شرط لا محيد عنه لأجل الإقلاع لتجاوز العجز الذي يعاني منه بلد سائر في طريق النمو كالمغرب .
والمتبع لمسار الاقتصاد المغربي ، سيستنجى لا محالة ، أنه عرف مراحل ثلاث خلال تطوره منذ إعلان الاستقلال، إلى اليوم.

المرحلة الأولى: تنتهي قرابة 1983 وتعد مرحلة التأسيس والمخاض بالنسبة لولادة النموذج الوطني للتنمية .
فلئن كانت هذه الولادة عسيرة، فلأنها تهدف إلى ربط الاقتصاد المغربي إلى النموذج الليبرالي ، وإرساء أسسه بالتدريج في قنوات المبادلات العالمية.

المرحلة الثانية : أو ما يسمى بمرحلة التقويم الهيكلي والاستقرار الماكرواقتصادي ، الذي أعتمده المغرب كخيار لا رجعة فيه، ولو أن يكون شر لا بد منه ، حيث أن المغرب من بين 15 بلدا الأكثر مديونية في العالم آنذاك.
ولقد شكلت هذه الفترة من عمر الاقتصاد الليبرالي المغربي، منعطف كبير في سياسات البلاد الاقتصادية و كان الهدف من تبني سياسة التقويم الهيكلي هذه استتباب التوازنات الماكرو اقتصادية ،والحد من الدين الخارجي ، وتحرير قوى السوق، وذلك بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي .

المرحلة الثالثة : أو ما اصطلح عليه مرحلة التحرير و الانفتاح ، والتي تميزت بالانسحاب التدريجي للدولة لفائدة قوى السوق ، حتى من القطاعات الأكثر حساسية (الشغل ، الصحة و التعليم ...) و ترجمته على أرضية الواقع ببرامج الخصخصة الطموحة ، والتوقيع على اتفاقيات التبادل الحر مما يعني الانفتاح على التجارة العالمية ( اتفاقية التبادل الحر مع الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية ... ).
التوازي مع هذه التطورات على المستوى الاقتصادي سينعكس الوضع اجتماعيا ، بارتفاع معدل البطالة ، بمعنى اختلال العلاقة القائمة بين عرض العمل و طلبة.
ومست البطالة على الخصوص الشباب و النساء طوال العقدين الأخيرين من الألفية الماضية. ويرى الاختصاصيون في الإحصاءات الاقتصادية أن وتيرة عرض الشغل أسرع بكثير من وثيرة التصاعد الديموغرافي منذ سنة 1960.
وإذا أضفنا للنافذة الديموغرافية ، النزوح القروي إلى الحواضر فإن الساكنة القروية في سن الشغل زادت بوتيرة 4% سنويا ، منذ سنة 1960، وهو ما أدى فعلا إلى بطالة واسعة الانتشار، مست بنسب عالية خريجي المعاهد العليا و الكليات .

ويعزى هذا الارتفاع إلى الاختلالات التي عرفتها منظومتنا التربوية، حيت كرست عدم ملائمة التكوينات المتوافرة لحاجات عالم الشغل ، خارج الحضور الوازن للدولة كمشغل منذ الاستقلال، وعجز القطاع الخاص عن استيعاب هذه الأفواج المستمرة التخرج و المتتالية فضلا عن الإغراء الذي تمارسه الوظيفة العمومية ، و الذي طالما عالجته الدولة من خلال سياسات توظيف غير ملائمة ، بالإضافة إلى صعوبات الاندماج في القطاع الخاص ، نتيجة السياسات الصارمة للميزانية التي تنعكس سلبا على هذا القطاع .

ومن بين المعدلات المثيرة للإعجاب معدل البطالة سنة 1994 الذي وصل 16% ويشكل معدل البطالة لدى خريجي التعليم العالي 30,8% إلى حدود 2002.

أما في الوسط القروي، فالطابع الموسمي للأنشطة القروية، يترجم دائما واقع بطالي غير منتج أكثر ما يعبر عن تشغيل حيوي. و الملاحظ أن معدل البطالة في الوسط القروي بالنسبة لحاملي الشهادات و المؤهلين للعمل سنة 2000 وصل إلى أكثر من 17 % ثم أنخفض في سنة 2002 إلى نسبة 13 ,6% مما يدل ، لاعن تفوق الطلب عن العرض ، بل العكس مما يعبر عن تزايد نسبة الهجرة القروية، حيث يشكل الشغل الحافز الرئيسي لحركة الهجرة الداخلية .
مما يعني أيضا أن التشغيل الناقص في البوادي يغذي، بشكل من الأشكال، البطالة في المدن. هذا علاوة على أن العالم القروي حتى حدود العشرية الأولى من الألفية الحالية لا يزال يعاني من فقر حقيقي من حيث البنى التحتية ، ولا سيما بالمناطق المعزولة ، حيث يسجل غياب واضح في خدمات الصحة و التربية والماء الشروب و الكهرباء...

ورغم أن مجهودات الدولة ترتكز حول ضرورة الاهتمام بهذه الوضعية ، من خلال عدة برامج، بهدف تدارك النقص الحاصل ،والهائل والذي ينضاف إلى السنوات العجاف من الجفاف ، كالبرنامج العام لتزويد الوسط القروي بالماء الصالح للشرب PAGER ،الذي انطلق سنة 1995 ،ومكن من رفع معدل التزويد إلى 60 % سنة 2004 في حين لم يكن هدا المعدل يتجاوز نسبة 14 % سنة 1995.
يليه البرنامج العام لتعميم كهربة العالم القروي PERG ، وإذا حقق تطبيق برنامج الماء الشروب تفوق فإنه بالعكس لا يزال العالم القروي غير مزود بالكهرباء نتيجة إكراهات الأداء ، ونتيجة انتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية .
في نفس الوقت إنطلق البرنامج الوطني لبناء الطرق القروية PNCRR ،ورغم التفاوتات بين المناطق القروية لصعوبة تضاريسها ،فإن الدولة تهدف إلى رفع معدل ولوج السكان القرويين للطرق ، حدود 2015 الى 80 %. مما ينعكس سلبا على المواطنين لعدم استطاعتهم ولوج الخدمات الاجتماعية والإدارية الأساسية و يؤخر الاندماج بقوة في السوق. ينضاف إلى هذه الوضعية في العالم القروي أزمة التعليم ، حيث أصبحت بادية للعيان مع حلول عقد الثمانينات ، على خلفية التقويم الهيكلي ،حيث برز انفصال منظومتنا التعليمية عن الاقتصاد الوطني ، بانسحاب الدولة من القطاعات المنتجة ، يقول أحد المتتبعين لهذا الشأن "ولقد بدا هذا الانفصام جليا سواء على المستوى الكمي ، من خلال بطالة الأعداد الغفيرة ، الآخذة في التصاعد ، أو على المستوى النوعي ،من خلال بطالة حاملي الشواهد ، ويمثل هذا الواقع أحد تجليات الأزمة التي يجتازها التعليم بالمغرب ، وهي الأزمة التي أضحت أكثر ميلا نحو الاستدامة ،ولمدة لن تكون بالقصيرة ،والتي أبانت عن جملة من الاختلالات الخارجية والداخلية ،التي تعاني منها المنظومة التربوية الوطنية ،أما برامج الإصلاح المحدودة ، والتي اعتمدت خلال العشرية اللاحقة بدءا من 1993 فإنها لم تحل دون تفاقم الصعوبات".

ولقد عملت هده الصعوبات تدريجيا على تغذية موقف سلبي من المدرسة و إشاعة الإحساس بلا جدوى التربية لدى الساكنة القروية المحرومة بشكل خاص ، مما أدى إلى فقدان الثقة في المدرسة و من لدن أبناء الطبقات الميسورة.

هكذا تكدست القرى المهمشة بالعديد من أبناءها الذين انسحبوا سواء عن طواعية من المدارس أو إحساسا بقرب أجلهم التعليمي نتيجة قلة المصاريف أو ارتفاع كلفة الكتب المدرسية و باقي التجهيزات المرافقة لها كالألبسة والأطعمة.. .
ولم يكن أي مجال متوفر لاحتواء هذه الأعداد المتزايدة والراجعة إلى الخلف ، من أجل اكتمال نضجهم ،سوى التسكع وبداية الانحراف نحو المخدرات و السرقة والدعارة ، وهلم جرا.

في ظل هذه الشروط ظهرت في العالم القروي أصوات تنادي بضرورة تأسيس جمعيات ثقافية -تنموية -ترفيهية تهدف إلى احتضان الشباب وتأطيرهم سعيا لإدماجهم في التنمية ، وفي ظل تزايد بطالة خريجي الجامعات ، ومع تصاعد وارتفاع المطالبة بإعادة إدماج الشباب عموما و القروي خصوصا ،انطلق في تأسيس جمعيات السكان أغلبها تنموية تهدف إلى جمع شتات الساكنة القروية لأجل استفادتها من البرامج السالفة الذكر الهادفة إلى بناء البنى التحتية بالعالم القروي.

في نفس الاتجاه تطورت الأشكال الجمعوية بهدف تحقيق أهداف الألفية الثالثة منها إدماج المرأة القروية في التنمية وإدماج الشباب في المحيط الاقتصادي بخلق تعاونيات مختلفة .
و في نفس الوقت كان لابد لهذه الجمعيات أن يتحملن عبئ التربية والتكوين من خلال دروس محو الأمية.
وساهم برنامج التربية الغير النظامية في ولوج العديد من الشباب الحاصل على الشواهد عالم الجمعيات التنموية و الثقافية بهدف ترسيخ أسس التدريس و العودة إلى المدرسة بعد فقدان الثقة فيها ، رغم الصعوبات المتنوعة التي واكبت مراحل التأسيس .

أمام هده الإشكالات و الصعوبات كانت الهجرة القروية ولو الموسمية ،حلا بالنسبة للشبان الذين يغادرون القرى المهمشة في اتجاه المواقع الحضرية التي لم تكن في وضعية سليمة هي أيضا لاحتواء هذه الأعداد المتنقلة من الشباب القروي التائه والحائر.

طموح الشباب القروي بين الهجرة وأحلام المجتمع المدني

تفاقمت الأوضاع إذن أمام الشباب، وظهرت بوادر التطرف بشتى أشكاله السياسي والعقائدي، وكان حظ الشباب القروي إما اللامبالاة أو متابعة القطار التنموي من الخلف، رغم الأزمة....
ومع تطور المجتمعات الرأسمالية وتراجع مجتمعات الجنوب، ظهرت النتيجة الأولى لواقع البطالة،و استأثرت باهتمام المتتبعين بوصول الوفود الأولى من شباب دول الجنوب، جنوب الصحراء تحديدا إلى المغرب كقنطرة عبور للضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط،، بعدما غرقت في سواحل إسبانيا بالخصوص العديد من الزوارق المحملة بالشباب الحضري والقروي المغربي، الذي اتجه نحو الموت عبر البحر أو النجاة من أجل حفظ كرامته التي أهينت بفعل هذه الأوضاع المزرية وكان لأثر العائدين بعد مدة من المعاناة في دول المهجر، بأوراقهم، حافزا آخر لهم للمزيد من مواجهة الموت البطئ واستمرار العنفوان والإرادة والشجاعة لامتطاء أمواج البحر.
يزيد من هذه الهواجس اشتغال العديد من جمعيات المجتمع المدني التي ظهرت خاصة في الأوساط الحضرية وقليل من الأوساط القروية على هذا الملف بربطه بالتنمية المحلية وفي ترابط جدلي عام بالديمقراطية المحلية وحقوق الإنسان.

ومع استفحال ظاهرة الهجرة السرية عموما بترابط مع واقع البطالة سارع العديد من الفاعلين الاجتماعيين والجمعويين النشطين في حقلي الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الدعوة إلى أيام دراسية وعقد ندوات وتأسيس منتديات من أجل البحث عن البدائل والمناداة بضرورة النضال من أجل مجتمع الكرامة والمواطنة الكاملة.

وهكذا وبعد توسيع الشبكات المتخصصة في تهريب الأشخاص، كان من اللازم مراقبة المجال أمنيا حتى لا ينفلت الوضع في اتجاه سلبي، ولم يكن بمعزل عن انشغالات حكومات دول المهجر المجاورة، خاصة الأوربية، خصوصا بعد دخول معاهدة أمستردام حيز التنفيذ عام 1998، والتي جاءت لتنفيذ توصيات اتفاقية شينكن المنعقدة منذ عام 1985 وذلك بتشديد المراقبة على الحدود الخارجية مما ينعكس على حرية تنقل الأفراد ، وبتشديد الرقابة على المهاجرين والحد من اللجوء السياسي.

ونظرا لتشابك الإشكالات بين دول الاستقبال ودول العبور والدول الأصلية للمهاجرين، فان العلاقات الدولية بين هذه الفرقاء الدوليين ستعرف توترات ، دفعت إلى انعقاد مؤتمر قمة تومبيري بفلاندا عام 1999، والذي لم يكن بالنسبة للمؤتمرين سوى محطة للاتفاق حول الشراكة بين البلدان المعنية بمشكل الهجرة بشكل مباشر، حول ضرورة أخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للدول الأساسية، وضرورة نهج سياسة مشتركة ضد اللجوء ، والتحكم وتدبير تيارات الهجرة، ثم ضرورة الإدماج والمعاملة العادلة بالنسبة للمهاجرين المقيمين بصفة شرعية، حصل هذا في نهاية الألفية الماضية 1999.

إلا أن الأحداث الإرهابية التي تلت هذا التاريخ ، ستدفع بحكومات الدول الأوربية بالخصوص إلى تضييق الخناق على المهاجرين المقيمين قانونيا في بلدانها باعتبارهم منفذ لتصدير الإرهاب في اعتقاد اليمين المتطرف كلما صعد إلى الحكم بدول أوربا.

وانعكاسا لهذه الوضعية الدولية عموما، والأورمتوسطية بالخصوص ، انضاف إلى انشغالات الحكومة المغربية ملف الهجرة، ولم يكن بد من ضرورة نهج سياسة أمنية أولا مما أعاد الكرة في مرمى المجتمع المدني، الذي أصبح يطالب باعتماد سياسة حكومية ترتكز على أسس ديمقراطية في التعاطي مع هذا الملف ، ورفض لعب الحكومة المغربية دور الدركي بالنسبة لدول الشمال، ورفض أن يكون المهاجر الشرعي والغير الشرعي مصدرا للعملة، دون التركيز أولا على حقوقه في التنقل والعيش الكريم حفاظا على كرامته وحقه الطبيعي في الشغل مصدر وسبب تنقلاته عبر خريطة العالم، وبدون حدود بحثا عن تنفس هواء الحرية والديمقراطية والكرامة وعن مصدر عيش قار يكتمل بكامل حقوقه في التغطية الصحية والضمان الاجتماعي.

وتعالت الأصوات المنتقدة لدور المجتمع المدني في عدم قدرته على تحمل مسؤوليته كاملة، سواء من حيث عجزه عن إدماج الشباب القروي في مشاريع تنموية، أو من حيث تأطيره وتوعيته لهذا الشباب من أجل توسيع مجال الحقوق والحريات، سواء تعلق الأمر بحرية إنشاء الجمعيات المعنية بالشباب في ترابط مع كافة حقوقهم أو حرية التجمعات للمطالبة بحقوقهم وعلى رأسها الحق في الشغل والتنظيم والتظاهر.

بمعنى آخر أن جل الجمعيات المشتغلة في شتى الحقول( الثقافية، التنموية، الحريات العامة، البيئية.....) لا تتوفر على برنامج عمل لمواجهة مصاعب التنمية، وفي نفس الوقت لا تمتلك القدرة والشجاعة والإرادة للتوجه للاشتغال في حقل الحريات العامة لترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ودليل المنتقدين كون هؤلاء الفاعلين، باستقلالية كاملة مزعومة، لا يراكمون تجارب نضالية في مجال المطالبة بالإصلاح، إلا في ارتباط مع القوى السياسية الفاعلة في الميدان. كما أنها لا تتوفر في مجال التنمية على مصادر تمويل قوية قادرة على احتواء وإدماج الشباب في المسلسل التنموي وبذلك محاربة الهجرة السرية سواء القروية أو الدولية.
مما يعني تبعيتها لمصادر التمويل، رغم اعتقادها أنها تشكل استثناء بتمتعها باستقلالية تامة عنها: وهو ما ننعته غالبا بالمنظمات الغير الحكومية.
وإذا استثنينا القليل منها والتي استطاعت إنجاح مشاريع تنموية لصاح العديد من الشباب القروي وإدماجهم في محيطهم الاقتصادي، فإن الترابط اللازم مع منظمات خارجية هو الذي كان وراء ذاك النجاح.ونتساءل هل من استقلالية برغم من تلك التبعية في شروط العولمة؟.

Aucun commentaire: